الطرق التربوية : المفهوم والأهداف

الطرق التربوية : المفهوم والأهداف

03-05-2018
تربية وتعليم

 

إذا كانت التربية في أوجز تعريفاتها عبارة عن إعداد الفرد ليكون مواطنا صالحا متكامل الشخصية متكيفا مع المجتمع الذي يعيش فيه , فإن مفهوم الطريقة التربوية لغويا هو ذلك السبيل الذي يقتفى قصد الوصول إلى هدف معين , ولا يبتعد المعنى التربوي عن سابقه إذ هو يعني ذلك الجسر الرابط بين الثقافة والمجتمع أو بمعنى آ خر هو تلك الوسيلة التي يستخدمها المعلم لتوصيل المعلومات للتلاميذ , فالطريقة التربوية إذا هي إجابة عن شطر سؤال تطرحه العملية التعليمة منذ نشأتها وهو ماذا نقدم وكيف نقدم , وهو ما ذا نعلم وكيف نعلم , أما الشطر الأول من السؤال فقد أجابت عليه المقررات الدراسية في حين أن الشطر الآخرهو الذي تجيب عنه الطريقة التربوية .

وعلى مر التاريخ كثرت وتنوعت وتشعبت الطرق التربوية واحتدم الجدل حول الأجدى منها وراح كل فريق يدافع عن طريقة المفضلة بيد أن الذي لايختلف عليه اثنان هو أن الطريقة الجيدة هي تلك التي توصل إلى الهدف المنشود بأقل جهد , وبجدر بنا أن نستعرض ولو بإيجاز أهم الطرق التربوية القديمة إلا أنه لا يسعني  قبل ذلك إلا أن ننبه إلى أن المربين في العصر الحديث تكلموا بكل إسهاب عن التربية لدى الإغريق واليونان والفرس دون أن يكون للإسلام أي حظ فيما سطروه وهو أمر لم يغب ولله الحمد عن المقيمين بقطرنا الشنقيطي , فقد جاء في كتاب دليل المعلم للغة العربية (1402ه – 1982م) "الشيء الذي نريد أن ننبه إليه لأنه يثير العجب هو أن معظم المربين في النهضة الحديثة سواء كانوا عربا أو غربيين عندما عالجوا الطرق التربوية لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى أي مرجع تربوي إسلامي ... مع أن منهج القرآن ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية أحسن منهج عرفته البشرية جمعاء, فنزول القرآن نفسه منجما فيه أعمق أثر تربوي لأنه حسب الوقائع نزل, والتربية الحديثة تنادي باللين والرأفة ونبذ الجفاء والغلظة وقد جاء القرآن مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم (إِدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)

 

 

) ".

وفي كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي في باب وظائف المرشد المعلم .

الوظيفة الأولى : هي الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ".

والوظيفة الرابعة : من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريقة التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريقة الرحمة لا بطريقة التوبيخ فإن التصريح يهتك الحجاب ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار إذ قال صلى الله عليه وسلم وهو مرشد كل معلم "لو منع الناس من فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا فيه شيء " .

وجاء في الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على فهمه فلا يلقي إليه إلا بما يبلغه علمه اقتداء بسيد البشر صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قد ر عقولهم " .

وفي الوظيفة الثامنة : يقول الغزالي إن على المعلم أن يكون عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر , فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول شيئا وقال للناس لاتتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به وزاد حرصهم على مانهوا عنه , فيقولون لولا انه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به, ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين ممالانقش فيه ومتى استوي الظل والعود أعوج , ولذلك قيل في المعنى :

لا تنهى عن خلق وتأتي مثل               عار عليك إذا فعلت عظيم   

ومثل هذا كثير عند القابسي والقيرواني  وغيرهم كثير , ونحن لا يعنينا تجاهل الغير تلك الحقيقة أم لا ولا يهمنا ما إذا "جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " فالذي نجزم به أنها حقيقة لاريب فيها ستظل نبراسا قبل كل شيء .

وإذا ما عدنا إلى الطرق التربوية العامة فإن من أهمها :

  • طريقة الحفظ والتسميع : وتعود جذور هذه الطريقة إلى الفيلسوف اليوناني افلاطون (م.ت 347 ق.م) وحسب رأي افلاطون فإن الناس يختلفون من حيث المواهب والقدرات ووظيفة التربية هي تمييز هؤلاء الممتازين لكي يتم الاعتناء بهم حتى يصبحوا فلاسفة , في حين يوجه الضعفاء إلى الخدمة والفلاحة , وقد مرت بتغييرات سمحت لها بالبقاء ومن هذه التغييرات خطوات هيربارت المتمثلة في المقدمة فالعرض فالاستنباط ثم التطبيق وقد مهدت هذه الخطوات لميلاد الطريقة الاستقرائية التي انصهرت مع الطريقة القياسية ذلك أن الأولى تعتمد على الملاحظة والبحث والمقارنة ثم الاستنتاج وبعد ذلك التقويم في حين أن الثانية تبدأ بعرض النص والقاعدة ثم تبرهن عليها بالأمثلة , ويرى بعض المربين أن الاستقرائية أكثر ملاءمة للصغار والقياسية أنسب للكبار .
  • طريقة دالتن: فقد بدأت أول ما بدأت سنة 1920م حيث ابتكرتها هيلين وطبقت في مدينة دالتن الأمريكية حيث اكتسبت منها التسمية وقد جاءت هذه الطريقة كثورة على طريقة الحفظ والتسميع حيث اهتمت بمراعات الفروق الفردية بين الطلاب وإعطائهم قدرا من الحرية وقد جاءت بتعيينات على ثلاثة مستويات مستوى الأذكياء والمتوسطين والضعفاء على أن يأخذ كل فريق ما يراه صالحا له من حيث المستوى والقدرة , وتظهر ثمرة هذه الطريقة أساسا في الصفوف المتقدمة .
  • طريقة المشروعات : حيث يتولى الطلاب رسم مشروعات دراسية يختارونها بأنفسهم يجدون رغبة في تنفيذها لأنها تلبي رغباتهم وتعالج مشكلات حياتهم اليومية وهي نابعة من فلسفة الغرضية عند جان جاك روسو , ومن المآخذ على هذه الطريقة عنايتها بالطفل على حساب المواد المدروسة زد على ذلك أن ميول الطفل ليس بالضرورة نافعا في مجمله فقد يعتريه ضرر أو انحراف .

 

  • طريقة الوحدات : وما يميز هذه الطريقة أنها جاءت وسطا بين سابقتيها فقد أعطت لكل من المادة المدرسة وميول الطفل ما يناسبهما .

 

ونختم بمقاربة الكفايات التي جاءت تلبية لمتطلبات العصر المتسارعة والمتشعبة , فأصبح المنهج يتغير من مجرد تكديس المعارف في ذهن الطالب إلى تزويده بمفاهيم ومهارات وأفكار تساهم في تطوير قدراته ومواهبه ويستفيد منها في حياته يشكل يومي , فمقاربة الكفايات هي تركيز على المهارات والمواقف إلى جانب المعارف وهي فضل عن ذلك تجعل من الطفل نقطة مركزية في التعليم فهو الذي يستكشف العنوان ويستنتج القاعدة ويربط ويدمج بين معارف ومهارات كل كفاية حتى يمتلكها بكل وضوح وجدارة .

والحق أن المدرس والمربي عليه ان يطلع على كل هذه الطرق وأن يتمعن فيها كثيرا فيغربلها آخذا بإيجابياتها وتاركا سلبياتها , بل إن المعلم الماهر هو الذي يصهر هذه الطرق ويأتي بطريقة خاصة به بعد أن يتأكد من جدوائيتها , وباختصار فإن الطريقة مجرد وسيلة وليست غاية فما أتى بالهدف المنشود بأقل جهد وأقصر طريق هو الأمثل سواء تأتى من المعلم وما أجدره بذلك أو كان تطبيقا لطريقة معينة من الطرق السابقة , والله الموفق .

 

الأستاذ / الشيخ عابدين

التعليقات (0)
2
لا توجد تعليقات كُن الاول واضف تعليق

اترك تعليق